مرة جديدة عاد أمير جبهة "النصرة"، الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، أبو محمد الجولاني إلى الواجهة من جديد، من خلال تعيينه أميراً لـ"هيئة تحرير الشام"، بعد قبول إستقالة أميرها السابق أبو جابر الشيخ، بعد أن إختار، قبل أشهر، الإبتعاد عن القيادة السياسية والإكتفاء بالعسكرية، في محاولة لكسب المزيد من التضامن من جانب بعض فصائل المعارضة السورية.
الخطوة الجديدة من الجولاني، توحي بأن الرجل لم يعد يراهن على أي تحالف مع الفصائل المعارضة، كما أنه لم يعد يعقد الأمال على تبديل بعض الجهات الإقليمية والدولية من وجهة نظرها، لناحية تصنيف الهيئة منظمة إرهابية، لا سيما في ظل الإصرار على هذا الأمر من قبل تلك الجهات، بالتزامن مع التحولات التي شهدتها الأزمة السورية، خصوصاً من خلال مسار الآستانة، حيث الحديث لم يهدأ منذ أشهر عن عملية عسكرية يتم التحضير لها في إدلب من قبل كل من روسيا وتركيا وإيران.
في هذا السياق، تؤكد مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن الخطوة من الناحية العملية لا يمكن إعطاءها أي أهمية، نظراً إلى أن الجولاني كان الآمر الناهي في الهيئة رغم زعامة الشيخ لها، وتشير إلى أن الأخير كان الصورة التي يتخفى خلفها الأمير الجديد، وتضيف: "التحول الأخير جاء بعد فشل الخطة في تحقيق أهدافها".
وتوضح هذه المصادر أن كل ما كانت تقوم به "النصرة"، في الفترة السابقة، كان المراد منه أن تبقى بعيدة عن دائرة الإستهداف العسكري، من جانب التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب والتحالف الروسي السوري الإيراني، بالإضافة إلى حجز موقع لها على أي طاولة مفاوضات سياسية قد تعقد في المستقبل، لكنها تلفت إلى أن هذا الأمر اصطدم بداية بالموقف الروسي، الذي كان يرفض كل الحجج التي تقدم من قبل المحور المقابل لناحية عدم القدرة على الفصل بين الفصائل "المعتدلة" والجبهة، ومن ثم بالموقف الأميركي، الذي يدرك جيداً خطورة التساهل مع أبناء "القاعدة".
بالتزامن، تشير المصادر نفسها إلى أن مسار الآستانة ساعد كثيراً في حل هذه المسألة، نظراً إلى أن الحكومة التركية فضلت الإستفادة منه في تأمين مصالحها بعد أن أدركت الرهان الأميركي على "قوات سوريا الديمقراطية"، ذات الأغلبية الكردية، التي تصنفها أنقرة منظمة إرهابية بسبب سيطرة حزب "الإتحاد الديمقراطي"، الجناح السوري لحزب "العمال الكردستاني"، عليها، وتؤكد بأن الثمن المطلوب من جانب كل من موسكو وطهران ودمشق كان رأس "النصرة".
إنطلاقاً من ذلك، تقرأ المصادر المطلعة الموقف المتشدد لـ"النصرة" من مسار الآستانة، وسعيها الدائم إلى الرد على أي تقدم يحصل من خلاله عبر تحريك الجبهات العسكرية، كما حصل مؤخراً في ريف حماه، بالإضافة إلى الإتهامات التي كانت توجهها إلى الفصائل المشاركة فيه بـ"الخيانة" والتخلي عن "الثورة"، لكنها تعتبر أن "الإنشقاقات" الأخيرة التي ضربت الهيئة" لا يمكن تجاهلها على الإطلاق.
على هذا الصعيد، تجزم المصادر أن قرار عودة الجولاني إلى الواجهة من قبل قيادة "تحرير الشام" يحمل في طياته أكثر من رسالة إلى جميع المعنيين بالساحة السورية، أبرزها أن قرارها هو مواجهة ما يخطط لها في دوائر صنع القرار وليس الإستسلام، وتشير إلى أن هذا الأمر قد يظهر، في المرحلة المقبلة، من خلال تصعيدها العمليات العسكرية على بعض الجبهات، لكنها ترجح أن تعمد الجبهة إلى تكثيف العمليات الأمنية عبر عمليات نوعية يكون لها نتائج أفضل على المستويين الأمني والمعنوي، كما أن شخصية الجولاني قد تكون مفيدة قي منع المزيد من "الإنشقاقات".
في المحصلة، قرر أبو محمد الجولاني في هذا التوقيت العودة إلى الواجهة السياسية والإعلامية من جديد، بالرغم من إعلان الهيئة أن تعيينه من قبل مجلس الشورى فيها "موقّت"، لكن هل يفيده ذلك؟.